الفن والجمال Art and Beauty

نساء مودغلياني

من السهل التعرّف على لوحات اميديو موديلياني وتمييزها عن لوحات غيره من الرسّامين. إذ تبدو نساؤه بأعناق طويلة وعيون لوزية ووجوه بيضاوية. كما أن في لوحاته طبيعة غنائية يمازجها بعض الغموض الذي يختصر رؤية موديلياني عن الجمال الخالد وروح الإنسان.
غير أن بعض أعماله لا تخلو من حسّية لإظهارها بعض المناطق الخاصّة من الجسد. ونساؤه إجمالا رقيقات مع شيء من الحزن والتأمّل. وميلان الشفاه الخفيف والأعين المظلمة أو الغائرة وسمات زوايا الجسد تعطي إحساسا بالهجر والغربة والانفصال.
وليس في نساء موديلياني شيء من رعونة نساء روبنز أو أناقة محظيّات انغر أو فخامة آلهة بوتيشيللي أو تمثالية ملامح نساء مايكل انجيلو.
أما نساؤه العاريات فيبدين جادّات وأحيانا كئيبات. وبالتأكيد هنّ لسن لعوبات ولا جذّابات كثيرا، كأنما علّمتهن الحياة أن الرومانسية مجرّد حماقة وعبث.
ولوحات موديلياني تعكس إلى حدّ كبير شخصيّته الأسطورية. فقد توفّي بمرض السلّ وعمره لا يتجاوز الخامسة والثلاثين. وهو كان نموذجا للرسّام الوسيم الذي عاش حياة بوهيمية في باريس مطلع القرن الماضي. كان إباحيا، مشاكسا، هشّا وموهوبا. غير انه مات فقيرا في غرفة بائسة فوق سطح إحدى البنايات القديمة. وبعد يومين من موته لحقت به صديقته وأمّ ابنه جان إيبيتيرن التي كانت تصغره بتسعة عشر عاما بعد أن ألقت بنفسها من النافذة لتقتل هي وجنينها الذي لم يكن قد ولد بعد.

وأسطورة موديلياني ليست واضحة في فنّه. قد يكون في لوحاته حزن وصمت وإحساس بالهدوء والعزلة، لكنها تخلو من مشاعر الغضب والتمرّد أو الإحباط.
وقد ظلّ حبّه لوطنه الأصلي ايطاليا ملازما له على الدوام. وألوانه الخفيفة والباردة يبدو أنها تحاكي ما ترسّب في لاوعيه من ذكريات عن مناظر متلاشية لمبان وطبيعة كان قد رآها في مطلع حياته في بلدته توسكاني.
درس موديلياني الرّسم في فلورنسا وروما. وكان معجبا كثيرا بـ تيشيان وغيوتو وبوتيتشيللي، كما عُرف عنه شغفه بالفنون الأفريقية والمصرية واليونانية والهندية القديمة.

وقد أخذ عن الايطاليين الأوائل إنسانيتهم الروحانية وعن المتأخّرين منهم إعجابهم حدّ التقديس بجسد الأنثى وتصويرهم العميق للطبيعة الإنسانية. كما ورث عن اليونانيين نقاء وعظمة الشكل وبساطة ورمزية الشكل الأنثوي الاسطواني، وعن الهنود الحسّية العالية وحركة الآلهة الهندوسية الراقصة، وعن المصريين هالة الآلهة والنبل الذي تعكسه ملامح الملكات.

انتقل موديلياني إلى باريس في العام 1906 وعاش جنبا إلى جنب مع الرسّامين الطليعيين. كما صاحب النحّات الروماني برانكوزي الذي تعلّم على يديه فنّ النحت. وفي ما بعد صنع بعض الأعمال النحتية أشهرها رأس مصنوع من الحجر الجيري يبيّن بوضوح تأثّره بالفنّ الأفريقي.

شهرة موديلياني تجاوزت فنّه بكثير. كما أن أسلوب حياته المنغمس في المتع حجب عن الأعين كثيرا من تراثه وإبداعه الفني. وقد كانت النساء منجذبات بقوّة إلى هذا الشابّ المتخلّع الآسر. كان يقول: عندما تستعدّ امرأة للجلوس أمام رسّام فيجب أن تهبه نفسها بالكامل". وربّما لهذا السبب لم يسمح لصديقته جان إيبيتيرن بأن تجلس أمام رينوار لرسمها.

كان موديلياني مصرّا منذ البداية على خلق نموذجه الصوري الخاصّ والشائك عن الجمال. وقد نجح في اختراع جنس جديد من الكائنات ذوات الأطراف المستطيلة والخصور الضّيقة والوجوه الدقيقة اللاتي يغلب على ملامحهنّ الهدوء والبرود وأحيانا الانفعالات الجامدة والمحايدة.

الشاعرة والناقدة الانجليزية بياتريس هاستنغز كانت ملهمة موديلياني ورفيقته طوال سنتين. وقد وصفته بقولها إن موديلياني شخصية معقّدة، أحيانا يأخذ شكل خنزير وأحيانا لؤلؤة".

كانت علاقتهما عاصفة، ومع ذلك فـ اللوحة التي رسمها لها لا تكشف الشيء الكثير عن شخصيّتها. فملامح وجهها الصغير وعنقها الطويل يوفّران قناعا يحجب عن الناظر انفعالاتها الداخلية.

أما لوحاته التي رسمها لرفيقة عمره جان إيبيتيرن فتبدو هاجسية وتوصل إحساسا بفجيعة هذه المرأة الخجولة وضعفها وخضوعها للرّجل الفنّان. في إحدى اللوحات التي رسمها لها، تبدو جان بملامح ملائكية، عيناها الخضراوان الشاحبتان وشفتاها الرقيقتان ونظراتها الواهنة تؤكّد هشاشة وبراءة تلك الفتاة التي كان مقدّرا لها أن تموت قبل الأوان مثل الرجل الذي عشقته.

موديلياني نفسه كان يعرف على ما يبدو انه سيغادر الحياة مبكّرا. وهناك بورتريه رسمه لنفسه قبل وفاته بعام يبدو فيه كما لو انه يرتدي قناع الموت. ورغم هذا ما يزال يمسك بلوحة الرسم بيده وكأنه يطلب من الناظر أن لا يغفل عن رؤية الفنان في شخصه.

كانت لونيا تشيكوميسكا إحدى موديلات الفنان المفضّلات. وقد روت قصّة مثيرة للاهتمام حدثت قبيل موته، عندما كانت تجلس أمامه لرسمها. تقول: بينما كنت أقوم بتحضير العشاء طلب مني أن ارفع رأسي للحظات. وعلى ضوء شمعة رسم اسكتشا جميلا كتب عليه عبارة تقول: الحياة هبة، سواءً للذين يعرفون ويملكون أم لأولئك الذين لا يعرفون ولا يملكون شيئا".

تورا كلينكوستروم، الطالبة في كلية الفنون، كانت آخر من جلس أمام موديلياني ليرسمه. تقول: كان اميديو شخصا رائع الجمال لكنه كان قد فقد الكثير من وسامته بعد الحرب نتيجة معاقرته الخمرة والمجون".
كان يرسم كلينكوستروم وهو يسعل دما. وما لبث أن توفّي بعد ذلك بوقت قصير، وبالتحديد في العشرين من يناير عام 1920 نتيجة إصابته بالسلّ الذي رضعه مع حليب آمّه وهو بعد طفل.

اليوم يُنظر إلى موديلياني باعتباره جسرا ما بين تولوز لوتريك ورسّامي الفنّ الديكوري الذين ظهروا في عشرينات القرن الماضي.

ولوحاته النسائية الممتلئة بالحبّ الرثائي والتوق والخشوع ما تزال تذكّر الناس به وبموهبته التي تستحقّ الإعجاب والاحترام اللذين ُحرم منهما في حياته. وقد بيعت إحدى لوحاته مؤخّرا بأكثر من 27 مليون دولار أمريكي.

وفي العام 2004 أنتج فيلم سينمائي عن حياة موديلياني قام ببطولته الممثّل الأمريكي اندي غارسيا القريب الشبه بالرسّام فيما لعبت دور جان إيبيتيرن الممثلة الفرنسية إلسا زيلبيريستين.

- مترجم بتصرّف




نافذة على عالم ماغريت

على الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على وفاته، ما يزال يُنظر إلى رينيه ماغريت باعتباره احد أكثر رسّامي القرن العشرين نفوذا وتأثيرا وبوصفه جزءا لا يتجزّأ من المشهد الثقافي لعصر ما بعد الحداثة.
وفي السنوات الأخيرة اكتسبت لوحاته اهتماما متزايدا من الناس والنقاد على حدّ سواء وأصبح بعضها ايقونات وعناصر ثابتة في الثقافة الشعبية ووسائطها المختلفة.

في الموسيقى، تروق مناظر ماغريت كثيرا لمطربي البوب الذين يزيّنون بها أغلفة موسيقاهم.
وفي السينما، ظهرت لوحته المشهورة ابن الإنسان التي تصوّر رجلا تحجب وجهه تفاحة خضراء في أكثر من فيلم سينمائي. ووظفت لوحته الأخرى إمبراطورية النور في تصميم الملصق الدعائي للفيلم المشهور The Exorcist أو طارد الأرواح.
وفي احد الأوقات ألف ميشيل فوكو، الفيلسوف والناقد الفرنسي، كتابا استوحى عنوانه من لوحة ماغريت "خيانة الصور: هذا ليس غليونا" ناقش فيه دلالات وإسقاطات اللوحة من منظور لغوي وتاريخي وابستيمولوجي وبصري.

وحتى وقت قريب كانت الخطوط الجوية البلجيكية "سابينا" تضع لوحته المسمّاة طائر السماء Sky Bird شعارا لطائراتها.
ولزمن طويل ظلت الطبيعة الغامضة لفنّ ماغريت تفتن أجيالا من الفنانين الذين تأثروا بلوحاته ونفخوا في أعمالهم نفحة من روحه.
وحتى النحّاتين ومخرجي الأفلام السينمائية ومصمّمي الغرافيكس والإعلانات الدعائية ما يزالون يجدون في أعمال ماغريت منجما غنيّا يستلهمون منه الأفكار والأساليب الفنية والإبداعية المتجدّدة.

ويمكن القول أن كلّ حجر معلق في الهواء، وكلّ جسم متحوّل، وكلّ عبارة طافية، وكلّ غيمة ثلجية بيضاء تدين بالكثير من الفضل لرينيه ماغريت.
الموضوع التالي يستعرض جوانب من حياة ماغريت ونماذج من أشهر لوحاته..



"من السهل أن تنظر إلى العالم من نافذة واحدة".
خطرت هذه الفكرة لـ رينيه ماغريت بينما كان يجاهد لإغماض عينيه اتقاء أشعّة الشمس المتوهّجة. كان قد بدأ يفكّر في انه ليس أمامه من بديل آخر بعد أن اختبر طويلا كلّ الخيارات الممكنة في حياته.
كان دائما يفعل كلّ ما في وسعه لإبقاء كل الأبواب مفتوحة.

كان ماغريت من ذلك النوع من الأشخاص الذين يفضّلون أن يتذوّقوا كلّ نوع من أنواع الشوكولاته الموضوعة على المائدة ولا يكتفون بقطعة واحدة من الكعكة الكبيرة.
لكن المشكلة هي أن الحياة ليست ببساطة قطعة الكعك، كما أن العالم الذي يعيش فيه كان سيبدو ابسط كثيرا لو أن رينيه اختار تلك الشريحة الصغيرة.

انه حتى لا يعرف كيف يريدها أن تكون: دسمة، صلبة، ليّنة، مستوية، مستديرة، بكثير من السكر، بقليل من الملح، بكثير من المكسّرات أم بالقليل منها.
كان يعرف ما لا يريد لكنه كان يجهل كليا ما الذي يرغبه.
وقد نقل عنه انه قال ذات مرّة: إن كل شيء نراه يخفي خلفه شيئا آخر، والإنسان توّاق بطبيعته لمعرفة ما لا يراه. وإذا كان الحلم ترجمة للحياة الواعية فإن الحياة الواعية هي ترجمة للحلم. إننا نعيش في عالم يخدعنا، وفهمنا له غامض ومشوّش. لذا فإن الأحلام والخيال هما سبيلنا إلى العيش في عالم له معنى".

ولطالما عبّر ماغريت عن افتتانه بالعلاقة التبادلية بين الكلمات والصور وإيمانه بأن العنصرين يمكن أن يكونا أحيانا بلا معنى. يقول: لا يمكننا فصل الغموض عن أي شيء، وإذا فعلنا ذلك نكون قد أسأنا فهم الشيء وجرّدناه من جوهره".
في لوحته خيانة الصور وهي أشهر أعماله وأكثرها رواجا، رسم ماغريت بطريقة واقعية محكمة تقترب من الصورة الفوتوغرافية رقعة يتوسّطها غليون. وفي أسفل اللوحة كتب بالفرنسية "هذا ليس غليونا"، في إشارة إلى أن الصورة مهما كانت درجة واقعيتها فإنها لا تنقل الواقع كما هو.
فصورة غليون لا تكفي لأن نمسك به أو نملأه بالتبغ ناهيك عن أن نستطيع تدخينه.
إن ماغريت يؤكّد على أن الصورة ليست حقيقة وإنما هي في النهاية تمثيل لرمز، وأن ما نراه في الواقع لا يعدو كونه انعكاسا لأنفسنا ولأفكارنا وخيالاتنا الخاصّة.

وبناءً عليه لا يجب أن نخلط ما بين الصورة وبين الرمز الذي تمثله.
وفي اللوحة إشارة ضمنية إلى محدودية إدراكنا للعالم الواقعي وقابلية أدمغتنا لان يتم التأثير فيها والسيطرة عليها.

وفي لوحة المرآة المزيّفة يتناول ماغريت فكرة العلاقة بين الداخل والخارج.
اللوحة تصوّر عيناً تنتشر على مساحتها غيوم بيضاء وسماء زرقاء. إنها العين الذكية التي ترى العالم بالعقل والإدراك.
هل نرى العالم كما هو فعلا أم أننا نرسم للواقع صورة مزيّفة على شاشة عقلنا الباطن؟
وكيف تلوّن اللغة ما نراه؟
هذه هي الأسئلة والإشكاليات التي يطرحها ماغريت في الكثير من لوحاته.
إن العين لا تعدو كونها مرآة ذات بعد واحد. لذا بدلا من النظر إلى الروح؛ إلى الفضاء الداخلي للعقل والنفس، فإنك في الواقع إنما تنظر إلى انعكاس نفسك.

إن العين، بحسب ماغريت، ليست أكثر من مرآة مزيّفة لأنها لا تستطيع حتى أن ترى نفسها. وإدراك الإنسان هو مثل المرآة المزيّفة التي تتلقى الأشعة بلا انتظام، فتزيل وتعدّل وتشوّه الألوان الطبيعية للأشياء من خلال مزج طبيعتها الخاصة فيها.

والعين، بهذا المعنى، لا تبرز الجانب المقابل من الواقع مثلما تفعل المرآة الحقيقية، لكنها فقط تظهر الغيوم التي تمرّ أمام سماء العقل الزرقاء.

ممّا يؤثر عن ماغريت قوله: عندما نلوي تفكيرنا ونحرفه عن مساره فإننا نميل إلى تحويل ما هو غريب إلى مألوف. وأنا أريد أن أعيد للمألوف غرابته".
ومن اجل تجسيد هذه الفكرة، ابتكر الفنان الواقع المزدوج للصور بإضافة حمولات من الشعر والغموض إليها. وغايته كانت أن يخلق فنا عن وجود لا نعرفه.

لكن هل اللغة البصرية قادرة حقا على كشف غموض الوجود؟

برأي ماغريت أن الرسم لا يمكنه الوصول إلى حيث يمكن أن يصل الشعر والفكر.
وكان دائما يردّد مقولة بعض كبار الشعراء من أن اللغة عندما تصل إلى "الأفق الخطير"، أي عندما تتحوّل إلى "لا لغة" فإنها تلتقط ما لا يمكن بلوغه أو إدراكه.

من أجمل أعمال ماغريت وأكثرها انتشارا لوحته امبراطورية النور.
ولأوّل وهلة لا تتبيّن للناظر المفارقة التي تتضمّنها اللوحة. لكن عندما يتمعّن في تفاصيلها سرعان ما يكتشف أن المنظر الليلي الذي لا يخلو من شاعرية تعلوه سماء نهارية. أي أننا إزاء ليل ونهار في نفس الوقت.
طبعا مثل هذا العالم لا يوجد سوى في الخيال. لكن ماغريت مغرم كثيرا بتصوير المتضادّات والثنائيات والجمع بينها تحت سقف واحد.
ومع ذلك فالعالم المحسوس يشير إلى أن التقاء الأضداد أمر ممكن فعلا، وهذه هي الفكرة التي يريد ماغريت إيصالها.
بعض الناس، مثلا، كثيرا ما يساورهم شعور غامض أنهم رغم كونهم سعداء فإنهم يشعرون بحزن لا يعرفون بواعثه وأسبابه.
وهناك من الناس من قد يبكي لفرط إحساسه بالفرح والنشوة.

وهناك النظرية التي تقرن اللذة بالألم. ومن الناس من يعتبر العبقرية والجنون وجهين لعملة واحدة .
ومن الحقائق التي أكدّها علماء النفس أن في المرأة بعض سمات الرجل وعند الرجل بعض خصائص المرأة النفسية والشعورية. أي أن هناك جزءا مهمّا في أنفسنا لا نلمسه ولا ندركه لأن العقل الباطن ينكره أو يقمعه.
إمبراطورية النور هي نموذج لعالم ماغريت الذي تتداخل فيه الثنائيات؛ كالليل والنهار، والحياة والموت، والرجل والمرأة، والأفقي والعمودي، والمادي أو الأرضي مقابل السماوي والمقدّس .. إلى آخره.

ومن الملاحظ أن ضربات الفرشاة الناعمة في اللوحة تعطيها مظهر الصورة الفوتوغرافية، كما أن الناظر إليها يخيّل إليه انه يطلّ على المنظر من نافذة بسبب تأثيرات البعد الثلاثي فيها.

ويقال بالمناسبة انه ليس بوسع أيّة ماسحة ضوئية أو آلة تصوير نقل جمال وسحر تأثيرات الضوء التي أودعها ماغريت في امبراطورية النور، وأن رؤية نسخة منها تختلف كثيرا عمّا لو قدّر للشخص أن يرى اللوحة الأصلية الموجودة اليوم في متحف بروكسيل للفنّ الحديث.

إن الكثير من لوحات ماغريت هي بمعنى من المعاني كشوفات فلسفية ونفسية وشعرية وتأمّلية للغة والإدراك من خلال محاولة إعادة اكتشاف العوالم الداخلية والخارجية واقتراح تفسيرات جديدة للعلاقات والأبعاد والافتراضات والتناقضات التي تحكم الحالة الإنسانية.
في العام 1934 رسم ماغريت سلسلة من اللوحات التي اختار لها اسما واحدا هو الحالة الإنسانية.
في ذلك الوقت كان ما يزال يعكف على اكتشاف فكرة الداخل والخارج.

وفي إحدى هذه اللوحات نرى رقعة رسم أمام نافذة زجاجية وخلفها منظر طبيعي. والناظر إلى اللوحة لا يستطيع تبيّن ما إذا كانت الطبيعة داخل الغرفة، أي على رقعة الرسم، أم خارجها، لان الشجر والغيم والغابة يمكن أن تكون في الداخل والخارج بنفس الوقت.
وقد أراد ماغريت من وراء رسمه سلسلة لوحات الحالة الإنسانية أن يقدّم مثالا على التناقض بين فراغ الأبعاد الثلاثة ومحدودية رقعة الرسم ذات البعدين. وعنوان اللوحة يشير إلى العلاقة بين البشر وتلك التناقضات باعتبارها جزءا من الحالة الإنسانية العامّة.

في عالم ماغريت يظهر الأشخاص بهيئة موظفي المكاتب في خمسينات القرن الماضي. فهم بورجوازيون تعلو رؤوسهم قبّعات اسطوانية سوداء وتطوّق أجسادهم بدلات ضيّقة محكمة الأزرار. وهم محصورون داخل ما يشبه غابة من الحجارة الصلدة الباردة، لكنهم ما يزالون يحتفظون بجزء مهم من إنسانيتهم يتمثل في قدرتهم على التخيّل. فهم يتمتعون بخيال خصب وأرواحهم تحلق عاليا مثل حمامات بيضاء.

وفي غالب الأحيان تكون ملامح الأشخاص محجوبة عنا أو أننا لا نرى منهم سوى ظهورهم، الأمر الذي يوحي بأنهم إما منشغلون بالنظر إلى المستقبل أو أنهم لا يعبئون بالماضي أو أن فكرتهم عن العالم مقتصرة فحسب على ما يرونه أمامهم.

ومعظم لوحات ماغريت تنطوي على مفاهيم بصرية وفكرية وفلسفية مثيرة للاهتمام. ويصعب في الكثير من الأحيان الفصل بين الكوميديا والشعر والغموض والظلام في أعماله.

وهو مغرم كثيرا باختيار أسماء غريبة للوحاته لا تتفق مع تفسير الدماغ للتجربة البصرية التي يستقبلها المتلقي، وتلك قد تكون حيلة يعزّز من خلالها غموض اللوحة لكي يوسّع مضامينها ودلالاتها.

كما أن أسماء اللوحات ليست وصفية بل تختزن دلالاتها الكامنة فيها. ومع ذلك فالعلاقة بين العنوان والصورة لا تخلو من شاعرية.
ويظهر أن الفنان يوظف، بإحكام، غموض هذين العنصرين ليمارس هوايته المفضلة في التلاعب بالدلالات المزدوجة والمتداخلة للكلمات والصور. وهو أثناء ذلك لا يتوانى عن قلب مفاهيم النسبية والفراغ والزمن والجاذبية والمنظور رأسا على عقب.


في لوحة الغابة، مثلا، يرسم ماغريت لوحة ذات تفاصيل تمثالية. وفيها نرى تمثالا نصفيا يستند على قاعدة اسطوانية بنّية اللون، وفي الخلفية ستارة وجدار.

لكن ليس في اللوحة ما يدلّ على العنوان باستثناء أن ملامح التمثال تتخللها فروع شجرة.

وفي قلعة البيرينيه يفاجئنا ماغريت بمنظر لحجر ضخم معلق في الهواء تعلوه قلعة فوق بحر يثير شعورا بالأزلية.
وهناك احتمال أن يكون الفنان رسم هذا المنظر وفي ذهنه القصّة التي تتحدّث عن نيزك على هيئة بيضة عملاقة سقط من ارتفاع هائل ليشقّ طريقه نحو الأرض في صمت قبل حوالي ثلاثة بلايين عام.

وإلى هذا النيزك يعزو العلماء البدايات الأولى لنشوء الحياة على الأرض.
اللوحة تعطي إحساسا بالجلال والغموض وتتحدّى بوضوح قوانين الزمن والجاذبية.
أما البيضة فقد كانت دائما من الموتيفات المفضّلة عند ماغريت، فهي الحاضنة للحياة وهي مصدر الخصوبة واستمرار وبقاء النوع.

يقال أن ماغريت لم يكن يختلف كثيرا عن شخصيات لوحاته. فقد كان شديد الاهتمام بمظهره حريصا دائما على ضبط أفعاله وتصرّفاته الشخصية.

ويبدو أن حبّه لباريس وأضوائها وصخبها لم ينسِه حبّه الأول لبلده بلجيكا التي كان يرى أنها اهدأ من باريس وأكثر تواضعا.
وقد عرف عنه نفوره من أسلوب حياة زملائه السورياليين الذين كان أكثرهم منغمسا في حياة الترف والمجون. وفي ما بعد تطوّر الأمر بينه وبينهم إلى قطيعة شبه كاملة عندما رأوا في لوحاته خروجا على النسَق الذي ميّزوا به أنفسهم.
وعلى الجانب الشخصي كان ماغريت حريصا على أن تبقى حياته العائلية طيّ الكتمان. كما كان وفيّا لزوجته جيورجيت بيرجيه التي ظلّ معها 45 عاما والى حين وفاته.

ويقال انه تأثّر في بداياته بالرسّام الميتافيزيقي دي تشيريكو Giorgio de Chirico وخاصّة لوحته المشهورة أغنية الحب The Song of Love التي كان ماغريت يرى فيها نموذجا لسموّ الشعر وتفوّقه على الرسم.
ولا بدّ وأن روح بلدته طبعت فنّه وأضفت عليه تلك المسحة من الغموض التي تميّز لوحاته. فقد ولد ماغريت في بلدة بلجيكية عُرف عنها سماؤها المعتمة وأجواؤها الضبابية الباردة.

ولأن السماء عنده تمثل المطلق واللانهائي فقد صارت عنصرا ثابتا في العديد من أعماله. وفي ما بعد ظهر مصطلح "سماء ماغريت في" إشارة إلى أسلوبه الخاص والمتفرّد في تمثيل الغيوم والسماء.

ولا شك أن كثيرا من الفضل يعود لـ ماغريت في انه اخرج السماء من كونها مجرّد فراغ فيزيائي مصمت أو مادّة للتنبؤات الدينية والميتافيزيقية الغامضة وحوّلها إلى فضاء من الكشوفات البصرية والفلسفية والجمالية المدهشة.

في لوحة استكشاف بلا نهاية يرسم ماغريت مشهدا غامضا لحوار تأمّلي في السماء ووسط الغيم يجمعه وصديقه الشاعر السوريالي
البلجيكي بول كولونيه الذي كان يشركه في اختيار أسماء للوحاته. المنظر يصوّر الاحترام الذي كان كلّ من الرجلين يكنّه للآخر كما أنها توحي بـ "لا نهائية" العلاقة التي لا يمكن قياسها أو تحديد مداها.
لقد كان ماغريت يرى في السماء القبّة العظيمة التي تظلل الكون والصلة الكبرى التي توحّد جميع ساكني الأرض. ولطالما شغله التفكير في أسباب غيابها عن رسومات الفنانين الأوائل الذين انشغلوا كليا برسم مناظر الطبيعة وحياة البحر.
السماء بالنسبة له لم تكن مجرّد فراغ لا نهائي يملؤه الصمت والسكون الأبدي وإنما معجزة من معجزات الخلق التي نلمسها ونراها كل يوم. لكن بحكم التعوّد والتكرار، غادَرَنا الإحساس بالدهشة والانبهار وقوة التخيّل تجاه ما ترمز له السماء من رحابة وغموض وما تنطوي عليه من غرائب وخفاء وما تربطها بالأرض وعناصرها المختلفة من أواصر وجودية وشعورية ووروحية.
من الموتيفات التي تتكرّر كثيرا في لوحات ماغريت القبّعة. أحيانا يرسم نفسه معتمرا قبّعة وأحيانا أخرى يستحضرها كرمز لأفراد الطبقة البورجوازية والارستقراطيين.
وقد كان يتعمّد جعل هويّات أشخاصه مجهولة. وهو من خلال هذا الأسلوب يحقق أكثر من هدف لعلّ أهمّها عولمة الشخصية؛ أي جعلها عامّة ونموذجية. والهدف الثاني دفع الناظر إلى التماهي لا إراديا مع الشخصية وكأنه يقول إن ما تراه في اللوحة هو أنا وأنت ونحن جميعنا. إننا نغطي أعيننا أو ندير ظهرنا للعالم، وبذلك نحرم أنفسنا من رؤية الواقع على حقيقته وفهم واستيعاب ما يجري من حولنا.
في ديكالكومانيا نرى في الجهة اليسرى من اللوحة رجلا من الخلف وهو يرتدي القبّعة وبدلة رجال الأعمال ويقف في مواجهة سماء غائمة.
وفي الجانب الأيمن من اللوحة جزء مستقطع للرجل في ستارة حمراء تشفّ عن جزء مناظر من السماء الغائمة أمامه.
هذه اللوحة تعتبر من أجمل ما رسمه ماغريت، وهي مثيرة للتفكير والتأمّل. وقد تكون رمزا للفناء أو الخلود أو العبور من مرحلة لأخرى. ويقال إنها عبارة عن بورتريه شخصي للفنان أراده أن يكون مبهما ومفتوحا على عدّة احتمالات.
يقول احد الكتاب: أن تطالع لوحة لماغريت يعني أن تسمح له بأن يأخذ مقعدا في مؤخّرة دماغك ليبدأ من هناك في إعادة توجيه وربط العلاقات والاحتمالات والنسب بين ما هو متوقّع وما هو غير متوقّع، وبين ما هو واقعي وغير واقعي.
وماغريت يعتبر بلا منازع سيّد الرموز والإشارات المشفّرة. وهو من خلال الرموز والإيحاءات والإشارات يحاول أن يشدّ انتباه المتلقي ويدعوه لأن يعبر الحدّ الفاصل بين ما هو جميل وما هو مثير للتفكير والتأمّل.

في لوحة الحرب الكبرى نطالع صورة امرأة ترتدي ملابس بيضاء أنيقة وتمسك بمظلة وتضع فوق رأسها قبّعة كبيرة. لكن الأمر اللافت هو أن وجه المرأة مغطى بوردة بنفسجية.

والتفسيرات كثيرة. لكن أكثرها إثارةً للاهتمام يقول إن المرأة ليست سوى والدة ماغريت التي انتحرت بإغراق نفسها وهو ما يزال في الثانية عشرة. وعندما انتشلت جثتها من النهر ليلا، وكان رينيه حاضرا، كان وجهها مغطى بقطعة من فستانها الليلي.

والوردة التي تغطي وجهها في اللوحة كانت وردتها المفضلة. كانت تحبّ تلك الوردة بالذات وتحرص على زراعتها في حديقة بيتهم.
أما الاسم الغريب الذي اختاره ماغريت للوحة فربّما يشير إلى حالة التمزّق النفسي والألم المضني الذي كان يعتريه عندما يرى الورد في الحياة لكنه يعرف انه لن يستطيع رؤية وجه أمّه مرّة أخرى.

وكثيرا ما يُشار إلى قصّة موت والدة الرسّام مقرونة بنَفَس شاعري ويستشهد بتلك الحادثة باعتبارها المصدر الذي استلهم منه ماغريت فكرة رسم عدّة لوحات تظهر فيها نساء عاريات ورجال غطيت رؤوسهم بقطع من القماش.

والحقيقة أن منظر أمّه الميتة لم يفارق مخيّلته طيلة حياته. وكانت تلك الصورة تطفو إلى السطح بين وقت وآخر كي تأخذ طريقتها إلى بعض لوحاته.

ومن بين أعماله الأخرى التي تندرج ضمن هذا الإطار لوحته العاشقان التي تصوّر شخصين يقبّل كلّ منهما الآخر بينما غطيا رأسيهما بقماش ابيض.

في لوحة على عتبات الحرّية On the Threshold of Liberty يرسم ماغريت صديقه الشاعر الانجليزي ادوارد جيمس. كان جيمس شخصا ثريّاً وغريب الأطوار، وعرف عنه دعمه ورعايته للرسّامين السورياليين أمثال ماغريت ودالي وسواهما. وقد رسم ماغريت لادوارد جيمس ثلاث لوحات يظهر في إحداها واقفا أمام لوحة معلقة على جدار. لكن الرجل في غمرة انشغاله بالتحديق في اللوحة التي تمثل الحرّية، لا يفطن إلى أن هناك مدفعا ثقيلا قابعا خلفه ومصوّبا فوّهته نحو ظهره.

وفي لوحة الاستنساخ الممنوع نرى الشاعر نفسه واقفا أمام مرآة. غير أن المرآة لا تعكس وجهه كما هو متوقّع وإنما ظهره، الأمر الذي يذكّرنا بلوحة خيانة الصور التي يتساءل فيها الرسّام عن حدود ما هو واقعي وغير واقعي.

ومن الواضح أن هذه اللوحة تحتمل أكثر من تفسير. ربّما كان ماغريت يتساءل عمّا إذا كان بإمكاننا أن نعرف عن الشخص لو رأينا وجهه أكثر مما نعرف عنه عند رؤيته من الخلف. وقد يكون أراد أن ينقل لنا من خلال اللوحة صورة من صور الإحساس بغموض الهويّة وفقدان الذات. ولا ينسى ماغريت، زيادة في إدهاش الناظر وإرباكه، أن يرسم إلى جانب المرآة كتابا لشاعره المفضّل ادغار الان بو يحكي فيه عن رحلة متخيلة.

كان ماغريت متأثرا بـ ألان بو وبأشعاره الكثيرة عن الموت. ويقال إن أوّل ما فعله عندما حلّ بأمريكا هو زيارة ضريح الشاعر. وبعض لوحات ماغريت لا تخلو من مضامين عن الموت. وقد نشأت هذه الفكرة في ذهنه عقب وفاة والدته.

وقد عرف عنه انه كان يرسم لوحاته في غرفة المعيشة بالقرب من النافذة. وكان يرفض دائما أن ينشئ له محترفا أو استديو.
والغريب أنه لم يكن يمانع في أن يستنسخ الناس أعماله ويصوّروها. وقد يكون هذا سببا مهمّا في أن لوحاته أصبحت مألوفة كثيرا للعين، ابتداءً من مشهد القطار الذي يخرج من مدخنة، إلى المرأة التي تتحوّل بشرتها إلى نسيج خشبي "كان ماغريت يقول إن الرؤية هي اللمس من بعيد"، إلى الغيم الذي يأخذ شكل حمامة على خلفية من سماء زرقاء، إلى التفاحة الخضراء أو الحجر أو الوردة التي تملأ فراغ غرفة بأكملها، إلى النباتات التي تنمو على هيئة طيور .. إلى آخره.

ومن بين موتيفات ماغريت المفضّلة النافذة. فهي وسيلتنا لرؤية العوالم الأخرى والنظر إلى ما هو ابعد من وجودنا القريب. لكن النافذة بنفس الوقت لا تتيح للناظر سوى مشاهدة جزء من الواقع بحسب الزاوية أو المكان الذي ينظر منه، ونتيجة لذلك يمكن أن تكون الرؤية مشوّشة وغائمة. ولان للنوافذ عيوبها ونقائصها فإنها تصبح عند ماغريت رمزا لنقص معرفة الإنسان وقصور إدراكه عن فهم الواقع.
في لوحة التيليسكوب مثلا، يرسم ماغريت نافذة مواربة تحيل الناظر إلى سماء زرقاء غائمة. غير أن الجزء المفتوح منها يشير إلى ظلام في الخارج. وقد تكون اللوحة ترجمة لنظرية أفلاطون القائلة بأن ما ننظر إليه يمكن أن يكون صورة ظلية وليس بالضرورة واقعا فعليا.

ومما ينقل عن ماغريت قوله: إن إدراكنا عن أنفسنا ليس هو بالضرورة الصورة التي يرانا عليها الناس. وكثيرا ما نسمح لعقولنا أن تدفعنا للاعتقاد بأننا لا نكشف للآخرين عن انفعالاتنا أو لا نسمح لهم برؤيتها. لكن الحقيقة هي أننا لا نستطيع إغلاق جميع المنافذ لكي نهرب من انفعالاتنا أو نحجبها عن الآخرين".

في لوحة الجاسوس The Spy نرى شابّا ينحني لينظر من خلال ثقب الباب إلى امرأة تحدّق في الناظر بعينين متجمّدتين. هذا المشهد قد لا يكون باعثا للارتياح، لكنه يحمل سمات الترصّد والظلام التي كان ماغريت بارعا في تصويرها في لوحاته.
وفي لوحة يرسم ماغريت سفينة غامضة وسط البحر. وفي خلفية المنظر تشكيلات من الغيم. وليس في اللوحة ما يوحي بطبيعة الطقس أو الزمان أو المكان. والاهم من ذلك خلوّها من أيّة إشارة إلى عنصر الإغراء الذي يوحي به العنوان. والملمح الأساسي في اللوحة هو انثناءات الموج التي تمتدّ لتتداخل مع تفاصيل جسم السفينة نفسه. وثمّة احتمال بأن فعل الإغراء هنا هو ما يفعله البحر بالسفينة. إذ أن من دلالات المفردة أنها تشير إلى الحيلة والخداع "البصري في هذه الحالة". وقد يكون المعنى كامنا في عنصر المتعة التي يحصل عليها المتلقي عندما يتمعّن في اللوحة بعقل ناقد وعين متأمّلة.

من اللافت للاهتمام في لوحات مارغريت هذا الحضور الدائم للنار والغيم والورود والنوافذ المفتوحة والطيور والستائر والأشخاص البلا وجوه وكتل الحجارة والآلات الموسيقية والأجراس والتفّاح الأخضر والكرات المعدنية الصغيرة.. إلى آخره.
وقد كان من عادته أن يختار اسما واحدا لعدّة لوحات قد تتفق أو تختلف فكرتها عن اللوحة الأصل.
في إحدى لوحات سلسلة سحر أسود يرسم ماغريت امرأة عارية اختار لنصفها العلوي لونا ازرق في إشارة قد يكون قصد من ورائها أن الأفكار والمشاعر تأتي من العقل والقلب.
ولأن الأفكار والعواطف تتسم بطبيعتها اللامادّية، فقد اختار لذلك الجزء اللون الأزرق باعتباره لونا أثيريا يرمز للسموّ والنبل والتوحّد مع السماء.

وفي بعض لوحاته تأخذ المقتنيات والأشياء الشخصية من ملابس وفساتين وأردية داخلية أشكال أعضاء أصحابها.
في إحدى لوحات الموديل الحمراء مثلا، يتحوّل الحذاءان إلى قدمين. وقد يخطر بذهن الناظر أن الرسّام ربّما يشير إلى الارتباط اللاشعوري بين الإنسان وأشيائه الشخصية بحكم الاعتياد وطول المعايشة. لكن ماغريت يقدّم تفسيرا أكثر إقناعا وعمقا للوحة عندما يقول: إن أكثر الأشياء همجية وبربرية في هذا العالم يمكن أن تصبح مقبولة ومبرّرة من خلال قوّة العادة".

اثر اندلاع الحرب العالمية الأولى، عمّ الناس شعور بالخوف واليأس جرّاء اكتشافهم بأن العالم مكان غير آمن وأبعد ما يكون عن الكمال الذي كانوا يتصوّرونه.

وفي ظل هذا المناخ المشوّش والسوداوي ظهرت السوريالية. وكان روّادها الأوائل يجاهرون بأن هدفهم هو تغيير الواقع من خلال إطاحة النظام القديم واستنباط قيم وأخلاقيات جديدة يستعيد من خلالها الإنسان قواه الروحية الأصيلة التي تضمن له الحرّية والخلاص من القيود التي تكبّله وتعيق تطوّره.

وكان اندريه بريتون، مؤسّس السوريالية ومنظّرها الأوّل، يرى أن بنية عقل الإنسان تعكس بطريقة ما عقل الكون نفسه، وأن عالم اللاوعي هو الذي يشكّل الطبيعة الحقيقية للإنسان لأنه النقطة التي لا تتناقض عندها الحياة مع الموت ولا الخير مع الشرّ ولا العدل مع الظلم ولا الماضي مع المستقبل ولا الواقع مع الخيال ولا الحقيقة مع الزيف.. إلى آخره.

ولهذا السبب كان بعض السورياليين لا يخفون تعاطفهم، بل وإعجابهم أحيانا، بالمجرمين والخارجين على القانون لأنهم برأيهم أشخاص أذكياء وجريئون و"مبدعون" في انتهاك القوانين والأعراف المتوارثة.

بل إن بريتون نفسه لم يكن يرى في الإنسان المجنون مجنونا بل مصدرا للحكمة والنبوءة، على اعتبار أن المرض النفسي يفسح المجال لظهور الجانب المظلم من العقل ومن ثم الكشف عن بعض الحقائق المؤلمة عن المجتمع وعن الطبيعة الإنسانية.
رينيه ماغريت كان هو أيضا جزءا من هذا الحراك الفكري والفلسفي. ومن المعروف انه قضى في باريس ثلاث سنوات كانت هي الأهم والأكثر غنى في مسيرته الفنية. وقد اتّسمت علاقته مع زملائه السورياليين بفترات من المدّ والجزر إلى أن انتهت تلك العلاقة تماما بعودته إلى بلجيكا حيث قضى فيها العشرين سنة الأخيرة من حياته.

ويقال إن ماغريت احرق كلّ المقتنيات والأشياء الخاصّة التي كانت تذكّره بالحقبة السوريالية. وقد نفى بعد ذلك أكثر من مرّة أن يكون سورياليا أو أن تكون لفنه صلة بالسوريالية. وكانت علاقته مع بريتون، خاصّة، قد تدهورت عندما غضب الأخير لرؤيته زوجة ماغريت في احد اجتماعاتهم وهي ترتدي صليبا وطالبها بنزعه فرفضت.
ومن المعروف أن السوريالية ارتبطت في بدايات ظهورها بالماركسية. وماغريت نفسه لا يتحرّج من الإشارة إلى انه اعتنق الأفكار اليسارية في مطلع شبابه.
وفي إحدى المراحل انتسب للحزب الشيوعي، غير انه سرعان ما تركه بعدما طُلب منه أن يكيّف فنّه مع الايديولوجيا الحزبية وأن يوظف لوحاته للترويج لأفكار الحزب ومبادئه.


كان ماغريت، الذي تفتّح وعيه مبكّرا على أشعار الان بو وروايات ستيفنسون وأفلام شارلي شابلن، يرسم ليستفز ويثير المشاعر.
وبالنسبة إليه فإن هذا العالم يعتبر مصدرا كافيا للكشوفات المدهشة والتجليات الشفافة. ولهذا السبب، وخلافا للسورياليين الآخرين، لم يكن مهتمّا بأن يستقي من الأحلام والهلوسات والظواهر الغريبة مصدرا لمضامين لوحاته.
في لوحته غموض الأفق نرى ثلاثة أشخاص متماثلين ظاهريا ويرتدون القبّعات. المنظر يدلّ على أن الوقت قد يكون فجرا أو ساعة الغروب. ومع أن الرجال الثلاثة يقفون في نفس المكان، فإن كلا منهم منفصل نفسيا وشعوريا عن الآخر. وما يعزّز هذه الفرضية أن لكلّ منهم هلاله الخاص ووجهته الخاصّة.

تفاصيل اللوحة توحي بأننا قد نكون أمام صورة من صور تشظّي الذات وتجزؤ الإنسان وابتعاده عن الإحساس بالكُلّ. وهناك احتمال أن يكون ماغريت أراد من خلال اللوحة التأكيد على مسألة التمايزات والفروق الفردية التي تجعل من كلّ شخص مختلفا عمّن سواه في المزاج النفسي وفي طريقة النظر إلى الحياة برغم التماثل في الملامح الفيزيائية أو الجسدية.
هذان مجرّد احتمالين. مع أن المعنى قد يكمن في مكان آخر..

إن بعض لوحات ماغريت تعطي إحساسا بأن الفنان يتعمّد السخرية من الحداثة والرأسمالية والاشتراكية ومن البورجوازيين بل وحتى من العصر نفسه الذي برأيه يستحقّ الشفقة. هذا بالرغم من حقيقة انه كان هو نفسه بورجوازيا طوال حياته بقدر ما كان إيمانه قويّا أيضا بأفكار العصرنة والليبرالية.

في لوحة جولكوندا يضعنا ماغريت أمام منظر غريب . هنا بوسع الناظر أن يرى مجموعة من الأشخاص المعلقين في الهواء، متّخذين شكل وقوف رأسي أمام عدّة مبان متجاورة طليت واجهاتها باللون البنّي الغامق.
قد يكون ماغريت رسم هذا المنظر كي يصوّر من خلاله الآثار السيّئة التي تنتج عن رصّ البشر ومحاولة تشكيلهم أو قولبتهم على نسق أو نموذج أو نظام واحد بعيدا عن أي مضمون إنساني كما لو أنهم كتل من الحجارة الصمّاء. والنتيجة واضحة، وهي أن السياق الذي ينتظم الأشخاص في اللوحة أصبح مبعثرا ومتنافرا، بحيث لا نرى أمامنا سوى بضعة أشخاص كاملين فيما تضاءلت أحجام البقية وأصبحوا مجرّد ظلال. ويمكن أن تكون اللوحة إشارة إلى البنية الطبقية للمجتمع الصناعي التي تتّسم بالتفاوت الشديد والصرامة والقسوة. كما يمكن أن تكون رمزا لضياع هويّة الفرد بعد أن حوّلته المدنية الحديثة بإيقاعها الآلي إلى مجرّد رقم أو جزء ضئيل من آلة الإنتاج الهائلة والمتوحّشة.

لكن هناك تفسيرا آخر يستند إلى ما عُرف عن ماغريت من براعة في التلاعب باللغة وتغيير نظام الكلمات. فعنوان اللوحة "جولكوندا" ربّما يشير ضمنا إلى لوحة دافنشي الجيوكندا أو الموناليزا. كأن ماغريت أراد أن يقول إن الجيوكندا ليست ما تراه في هذا المنظر، لأنها تحوّلت في العالم الحديث وبفضل هيمنة رأس المال وسطوة الإعلان إلى مجرّد سلعة لكسب الربح وجني المال بعد أن تطاير مضمونها الفني والإبداعي في الهواء.

إن من أهم سمات لوحات ماغريت أنها تمتلئ بالشكّ وبالأسئلة الوجودية الكثيرة ولا نكاد نرى فيها وجودا ملموسا لخالق أو لذات عليا. والإنسان في العديد من رسوماته غريب ويائس ومهزوم لأنه يعيش في عالم يجهل الكثير من معطياته وحقائقه. وهو بالإضافة إلى هذا إنسان عاجز ومسلوب الإرادة بفعل تسلط الجماعة وهيمنة القيم الموروثة.

في الحنين إلى الوطن يرسم ماغريت رجلا بجناحين وأسدا رابضا على الأرض وعمود إنارة ورصيفا.
من الواضح أن كلا من الرجل والأسد موجود خارج هيئته الطبيعية. فالرجل له جناحان قد يكون ماغريت استعارهما من الصورة الكلاسيكية للأسد، إذ تذكر الأساطير انه كان للأسد جناحان في بدايات خلق الأرض. لكنه اليوم أصبح حيوانا مروّضا وبذا فقد حرّيته رغم انه يبدو حرّا ظاهريا.

الأسد أصبح خارج القفص لكنه ليس حرّا. والرجل صار له جناحان لكنه ما يزال داخل "قفص". والاثنان أسيرا إحساسهما بالوحدة والغربة والحنين إلى الماضي. ويمكن اختصار مضمون هذه اللوحة بعبارة جان بول سارتر: الحرّية هي المصدر الأول لمعاناة الإنسان المعاصر".

إن ماغريت لا يتوقف عن العبث بنظام الأشياء لكي يخرّب إحساسنا بالاطمئنان إلى ما نعتبره واقعا وحقيقة مسلّما بها ويعتبره، هو، مجرّد تهيّؤات وأحلام ورغبات غامضة.

في لوحة الآخرة The Hereafter يرسم منظرا تنقبض له النفس يعبّر من خلاله عن مأساة الإنسان وعدمية الوجود. في اللوحة لا نرى سوى قبر وحيد من الحجر بلا شاهد أو اثر يدلّ على صاحبه وسط صحراء موحشة يلفها السراب والصمت وتلهبها أشعة الشمس الحارقة.

وفي الإجابة غير المتوقّعة يرسم ماغريت بابا تتوسّطه فجوة طولية على هيئة شخص شبحي. الصورة قد تكون تجسيدا لخوف الإنسان الغريزي من المجهول. مثلا، قد يفاجأ احدنا في ساعة متأخّرة من الليل بمن يقترب من بيته ليطرق الباب ويوقظه من نومه. وبما انه لا يتوقّع زيارة احد في مثل تلك الساعة، فإنه من الطبيعي أن يتسرّب الخوف والقلق إلى نفسه ويتساءل عمّن عساه يكون ذلك الزائر الغريب. وفي غمرة إحساسه بالخوف والتوجّس قد يفترض أن الطارق إما لصّ مغامر أو مجرم محترف. لكن لا يخطر بباله أن الزائر قد يكون صديقا قديما اهتدى إلى البيت بعد طول بحث أو عابر سبيل يطلب غوثاً أو مساعدة. لكننا اعتدنا على الخوف من المجهول وتوقع الأسوأ، لان عقولنا مبرمجة سلفا وبشكل لا إرادي على التخيّلات الجامحة والتهيّؤات غير الواقعية.


وفي أزهار الشرّ The Flowers of Evil يرسم ماغريت مشهدا استمدّ عنوانه من اسم أشهر ديوان شعر لـ بودلير. كان بودلير يؤمن بأن الشرّ ينطوي على عنصر غواية وجمال وأن ثمّة حاجة لاستخلاص الجمال من الشرّ. كما كان يرى أن ثنائية الإنسان هي مكمن شقائه الوجودي فهو يتطلع للتسامي إلى الأعلى، أي إلى الله، لكنه مشدود بنفس الوقت إلى رغباته الأرضية التي يمليها عليه الشيطان.

في اللوحة رسم ماغريت امرأة عارية بملامح تمثالية جميلة وهي تمسك بإحدى يديها زهرة بينما تسند يدها الأخرى على حجر.
ومن الواضح أن جسد المرأة ينطوي على عنصر حسّي لكنها في النهاية مصنوعة من حجر. وهي تبدو حيّة لكن عينيها متحجّرتان. وهذا التناقض بين ما هو حقيقي وما هو مزيّف، بين اللحم الحيّ والمادة الساكنة، يطبع اللوحة بالمفارقة ويضفي عليها مسحة من التناقض والغموض.

ومن أكثر أعمال ماغريت احتفاءً لوحته المسمّاة علاقات خطرة التي تظهر فيها امرأة عارية وهي تمسك بمرآة كبيرة تغطي معظم جسدها.

لكن المرآة تعكس صورة جانبية للمرأة تبدو فيها كما لو أنها تستدير محاولة إخفاء صدرها.
والأسئلة التي تثيرها اللوحة كثيرة. مثلا، هل يتضمّن المشهد أكثر من مرآة؟ هل هناك امرأة واحدة أم أكثر؟ ومن حيث المضمون، هل يشير ماغريت هنا إلى فكرة الأنوثة، صورة الجسد، أو وعي الإنسان بصورة جسده؟

هل النظر في المرآة هو العلاقة الخطرة التي يشير إليها العنوان لأنها لا تقود، حسب ماغريت، سوى إلى وهم وخداع؟
أم هل أن صورة الإنسان عن جسده ترتبط بشعور غامض بالخوف أو الخجل أو الارتياب كما تشي بذلك حركة المرأة في الإطار؟
أم أن الموضوع لا يعدو كونه شكلا آخر من أشكال الايهام البصري يلجأ إليه ماغريت كي يقول لنا إن سطح الزجاج ليس هو بالضرورة سطح الواقع وليؤكّد من جديد فكرته القائلة بهشاشة وضعف إدراك الإنسان للواقع؟
كلّ هذه الاحتمالات ممكنة. لكن لا شيء منها مؤكّد.


وفي لوحة اكتشاف النار يرسم ماغريت "تيوبا"، وهي آلة موسيقية نفخية لها أنابيب ملتوية ومتجاورة، بينما راحت النار تلتهمها من أطرافها.

وللنار عند ماغريت دلالة خاصة، إذ تظهر في أكثر من لوحة من لوحاته. هناك مثلا لوحة اسماها الطوفان The Flood وفيها تظهر امرأة جسدها نصف عارٍ والى جوارها آلة تيوبا تحترق. وينقل عن ماغريت انه قال في إحدى المرّات أن الاكتشاف المدهش للنار، من خلال عملية احتكاك جسمين ببعضهما، يذكّرنا بالآلية الفيزيائية للمتعة.

وهناك من الكتاب والفلاسفة من يرى أن النار مقترنة بالمتعة وأن المتعة تستمدّ فكرتها من الحبّ والحرّية. وبناءً عليه، فالنار هي المعادل المجازي للاثنين. وليس من المستغرب أن يكون للمرأة حضور متخفّ ودائم في لوحات السورياليين، فهي عندهم رمز للحبّ وهي الوجود المختبئ دائما في غابة أحلامهم وتخيّلاتهم.

إن الفضول الذي تثيره عناوين لوحات ماغريت كثيرا ما يدفع الناظر إلى العودة إلى الصورة ليتأمّلها من جديد وليتساءل، مثلا، عن المنطق الذي يدفع ماغريت إلى إطلاق اسم الوتر الحسّاس أوLe Corde Sensible على لوحة تصوّر غيمة ثلجية تطفو على سطح كأس زجاجي، أو عن العلاقة بين تلك الكتل من الصخور الضخمة التي ركّبت فوق بعضها لتأخذ شكل كلمة "الحلم" بالفرنسية وبين الاسم الذي اختاره ماغريت لتلك اللوحة (فنّ المحادثة)، أو عن الفكرة التي تنطوي عليها لوحته بعنوان الابتكار الجماعي
The Collective Invention التي يقلب فيها الصورة النمطية، والرومانسية غالبا، الشائعة عن عروس البحر فيجعل لها رأس سمكة وساقي امرأة.


في إحدى اللوحات التي اقتبس ماغريت اسمها من عنوان قصّة لـ ادغار الان بو بعنوان مملكة آرنهايم يرسم صورة يدفع من خلالها الناظر إلى إعادة النظر في أفكاره وتصوّراته عن الجبال. فقد رسم جبلا على هيئة نسر عملاق وفي مقدّمة اللوحة يستقر عشّ بيض على جدار. تفاصيل المشهد وطريقة رسمه توحي بأن الجبل هو الذي وضع البيض مع أن البيض صغير جدّا بالنسبة لحجم النسر المهول.

لكن بصرف النظر عن هذه التفاصيل الصغيرة، فإن هذه اللوحة تعتبر اليوم من أشهر أعمال ماغريت بالنظر إلى سورياليتها الموغلة وقوّتها البصرية الأخّاذة.


إن ماغريت الذي يشغله غموض العالم وتستفزه تناقضاته الكثيرة لا يتردّد في خلخلة الأفكار والتصوّرات المستقرّة وقلب الأعراف والقوانين رأسا على عقب، فيحوّل النباتات إلى طيور والتماثيل إلى لحم حيّ والبشر والفاكهة إلى حجارة وكأنه يباشر عملية خلق فصيلة أو نظام جيني جديد بطريقة لا تخلو أحيانا من السخرية وروح الدعابة.

لقد ترسّخت عند الفنانين والنقاد فكرة تقول إن الفنان لكي يكون حداثيا فلا بدّ من أن يكون قبيحا وصادما عند السطح. وقد كان بإمكان ماغريت أن يكون كذلك لولا أن نقاءه كفنان كان يدفعه دائما لأن يدفن القبح والصدمة تحت السطح.

وربّما لا يستثنى من هذا التوصيف سوى بضع من لوحاته أهمّها اثنتان؛ الأولى: الاغتصاب The Rape التي يأخذ فيها وجه امرأة شكل أعضائها الخاصّة، في إشارة إلى أن المغتصب إذ يقوم بفعلته يكون قد طمس ملامح وجه المرأة في "لا وعيه" وأحلّ مكانها تصوّراته عن تفاصيل جسدها مدفوعا بتأثير نزواته ورغباته المكبوتة.

والثانية: القاتل المهدَّد The Threatened Murderer التي تصوّر مسرحا لجريمة قتل.
ويمكن أن نجد في إحدى عبارات ماغريت تبريرا لرسمه هاتين اللوحتين إذ يقول: لا يجب أن نخشى ضوء النهار لمجرّد انه يكشف أحيانا عن بعض تعاسات العالم الذي نعيش فيه".


في اللوحة الأخيرة، أي القاتل المهدّد، يظهر رجلا تحرّي يرتديان القبّعة ويكمنان في طرفي غرفة استعدادا للانقضاض على قاتل بهيئة محترمة. القاتل منهمك في الاستماع إلى الموسيقى من جهاز تسجيل قديم بينما يظهر بالقرب منه جسد عار لامرأة يبدو انه قتلها للتوّ. وخلف النافذة في نهاية الغرفة نرى ثلاثة رجال يراقبون ما يجري.

عنوان اللوحة نفسه ينطوي على مفارقة، إذ كيف يمكن تصوّر أن يكون القاتل مهدَّدَا؟ لكن عند التدقيق في ملامح الرجال، القاتل ورجلي التحرّي والمتفرّجين بل وحتى المرأة الضحيّة، سرعان ما نكتشف أنهم جميعا يحملون نفس الوجوه. أي أن القاتل والمقتول والجمهور كلهم ضحايا وكلهم جناة.

إن ماغريت لا يكفّ عن طرح بعض أكثر أسئلة الوجود صعوبة وتعقيدا. وغالبا ما تكون الإجابات ضمنية. وهو بهذا المعنى يمارس العنف ضد أفكارنا وقناعاتنا الجاهزة والمقبولة، ولا يتوانى أثناء ذلك عن تقويض العقل واللغة والواقع لكي يبدّد رضانا وقناعتنا بأن عالمنا مستقرّ ويمكن التنبّؤ به.


وبعض النقاد ممّن درسوا لوحاته قالوا بأنها انعكاس لرغبة الفنان في التعبير عن اعتراضه على رتابة وعبثية الحياة. والبعض الآخر رأوا فيها ما يمكن اعتباره حيلة هروبية ونكوصا عن مواجهة الواقع. والبعض الثالث تحدّث عن دأب ماغريت ومثابرته في توظيف فنّه من اجل كشف بعض المناطق المظلمة والمعقّدة في الطبيعة الإنسانية.

وهناك فريق آخر من النقاد ممّن لا يخفون افتتانهم بجمال مناظره وجاذبيتها رغم كون بعضها مربكا ومستفزّا.
وهو قال ذات مرة بطريقته المختزلة والساخرة: إن كل لوحة تبدأ كقصّة حبّ وتنتهي كعملية اغتصاب!"


كان رينيه ماغريت، من بين كافّة الرسّامين السورياليين، ينفرد بكونه الوحيد الذي كان يرسم بواقعية ويوظف في أعماله أشكالا وأشياءً من صميم الحياة قبل أن يضعها في سياقات غريبة وغير مألوفة.

وعندما نتأمّل عالمه عن قرب والأفكار الفلسفية التي يبثّها في لوحاته سرعان ما نتذكّر بعض التصوّرات التي تنهض عليها الفلسفة البوذية. تفترض البوذية مثلا أن النفس الإنسانية سجينة لنزواتها ورغباتها وما يطرأ عليها من مشاعر سلبية كالكراهية والكبر والغرور وحبّ الأنا والأثرة. هذه المشاعر من شانها أن تقيّد معرفة الإنسان وتحدّ من قدرته على التعرّف على الطبيعة الحقيقية للأشياء وللعالم من حوله. وهذا الجهل سبب أساسي للمعاناة والألم.

وهنا يثور سؤال: هل قرأ ماغريت شيئا عن البوذية؟ وهل كان متأثرا ببعض تصوّراتها التي تركّز على أسرار العقل وحالات الذهن بالإضافة إلى قولها بعدم إمكانية تجزئة العالم وإنما النظر إليه باعتباره كلا واحدا لا يتجزّأ؟

إن في مضامين بعض لوحات ماغريت ما يمكن أن يشي بوجود علاقة ما. وليس من المستغرب أن بعض منظري البوذية ورموزها المعاصرين كثيرا ما يتوقفون عند لوحتيه "خيانة الصور" و "المرآة المزيّفة" باعتبارهما ترجمة واضحة لأحد أهم المبادئ التي تقوم عليها البوذية، وهو ضرورة أن يتخلص الإنسان من فهمه الخاطئ للنفس كي يستطيع أن يفهم العالم بشكل أفضل وبذا ينتصر على الألم ويرتقي وعيه وعقله إلى مرحلة النيرفانا.

كما أن في البوذية كلاما كثيرا عن المتضادّات التي يضمّنها ماغريت في لوحاته. فالشيء لا تظهر طبيعته أو صفاته إلا بمضاهاته بنقيضه وليس من خلال صفاته الخاصّة المتجسّدة فيه. ومما يروى عن أحد معلمي البوذية انه سُئل مرّة: كيف ترى الأشياء بوضوح؟ فأجاب: أغلق عينيّ. وهذا هو بالضبط ما يردّده ماغريت عن خطورة أن يركن الإنسان إلى ما تراه عينه المجرّدة متوهّما أن ذلك سبيله الوحيد لفهم نفسه والعالم.


من الموتيفات التي كان ماغريت يوظفها في لوحاته بشكل متواتر الستارة. أحيانا يضعها على جانبي اللوحة لتقوم بوظيفة ستارة المسرح وللإيحاء بأن ما نراه لا يعدو كونه تمثيلا وليس حقيقة. وأحيانا يحرّك الستارة من الأطراف إلى منتصف اللوحة لتكون جزءا من الموضوع الأساس أو الفكرة الرئيسية.
والستائر لا تختلف عن النوافذ من حيث أنها تحدّ من مقدرة الإنسان على الرؤية. غير أنها تخفي الأشياء خلفها وبذا لا يرى الناظر سوى جزء من الصورة الكلية.

في لوحة مذكّرات قدّيس نرى ستارة حمراء دائرية الشكل تقفل على سماء غائمة، وخارج السماء والستارة يتوزّع السواد على طرفي اللوحة.

اللوحة ولا شك جميلة ورائقة وتنطوي على دقة في التصوير وبراعة في تمثيل الخطوط والألوان التي جاءت رقيقة وناعمة.
وبما أن العنوان يتحدّث عن قدّيس، فمن الطبيعي أن ينصرف الذهن مباشرة إلى السماء وما يرتبط بها من جنّة ونار وثواب وعقاب.. إلى غير ذلك. وبناءً عليه، يمكن للمرء أن يتوقع أن ما بداخل الستارة ربّما يرمز إلى حسنات القدّيس وأعماله المجيدة في الدنيا، بينما يشير اللون الداكن إلى خطاياه وذنوبه. لكن قد تحتمل اللوحة تفسيرات وقراءات أخرى غير هذه.

كان من بين أصدقاء ماغريت الفنانان ماكس ارنست وسيلفادور دالي والفيلسوف جاك ديريدا والشاعران بول ايلوار ومالارميه.
في لوحة الصفحة البيضاء The Blank Page يستعير ماغريت جملة لـ مالارميه يتحدّث فيها عن "استحالة الكتابة على صفحة بيضاء"، ليرسم ستارة على هيئة ورق شجر وأمامها، وليس خلفها كما يفرض المنطق، يلوح ضوء قمر لم يكتمل. وفي ما بعد ستتكرّر نفس هذه الفكرة في لوحته المسمّاة The Sixteenth of September أو السادس عشر من سبتمبر.


برأي ماغريت أن الحياة ليست سوى لغز كبير وأن من المتعذّر كسره أو فكّ طلاسمه. وكان يعتقد أن طبيعة الإنسان تدفعه لئلا يرى إلا ما يريد أن يراه أو ما يبحث عنه. ومن ثم فإن إدراكنا مرتبط إلى درجة كبيرة بطبيعة توقعاتنا.

في لوحة بطاقة بيضاء نرى امرأة تتمشّى بين أشجار الغابة على ظهر حصان. غير أن ماغريت يتلاعب بالشكل والفراغ بحيث ُتظهِر الأشجار من المرأة والحصان ما كان يجب أن تخفيه وتحجب ما كان يقتضي المنطق كشفه. قد يكون الفنان قصد أن يقول إن المرأة والحصان ما يزالان هناك رغم الأشجار. وقد تكون اللوحة ترجمة لعبارة طالما ردّدها: إن جزءا من مهمّتي هو أن أجعل الأفكار مرئية".


كان ماغريت يعتقد انه لم يعد هناك الكثير مما يمكن عمله من خلال الرسم التقليدي. لذا كان عليه أن يختار أسلوبا غير مألوف للتعبير عن أفكاره ورؤاه رغم إدراكه أن ذلك سيجلب عليه سخط واستهجان النقاد والعامّة.
في إحدى لوحات الأسير الجميل يرسم لوحة داخل لوحة. اللوحة الصغيرة تصوّر طبيعة جبلية تبدو فيها الغيوم وهي تنزاح ببطء سابحة خارج الإطار، وكأن ماغريت يفترض أن المتلقي الذي طالما اعتاد رؤية الغيم والسماء في لوحاته أصبح بالفعل داخل عالمه الخاص بعد أن ألفه واستوعب صوره ومشاهده.

الصورة الذهنية هنا جميلة، إذ تؤكّد على علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال المشاعر والانفعالات والمزاج. لكن الطريقة التي رُسمت بها اللوحة قد تشير إلى رسالة أو فكرة ما من خلال هذه المزاوجة بين موضوع الداخل والخارج. ترى هل يقصد الفنان أن رسم الطبيعة، مهما كان دقيقا وشديد الواقعية، فإنه يظلّ عاجزا عن نقل حركتها وتصوير تحوّلاتها المستمرّة؟ إن أقصى ما يمكن أن يفعله رسّامو المناظر الطبيعية هو محاولة الإمساك باللحظة الراهنة، لكنهم لا يستطيعون نقل ديناميكية الطبيعة وما يطرأ عليها من أطوار وتغيّرات.
وقد يكون ماغريت أزاح الطبيعة من مكانها لكي يؤكّد على الدور الخلاق للفنّ وعلى حرّية الفنان في أن يبتكر عوالم جديدة يستمدّ منها معاني وإمكانيات مختلفة تعينه على إعادة تشكيل الواقع من خلال رؤاه ومدركاته الخاصّة.


من أهم الركائز التي قامت عليها السوريالية أنها كانت تعبيرا عن أفكار عصر ما بعد الحداثة؛ مثل عدم الاعتراف بالفوارق بين الثقافات، والشكّ في الفرضيات والمسلّمات التقليدية، ونسبية الزمن والحقيقة والأخلاق، وضبابية مفهوم الهويّة الإنسانية، واعتبار المعرفة الذاتية أساسا لجميع أشكال المعرفة، وتقدير التضادّية والازدواجية، وتوظيف أساليب السخرية والمفارقة، والترويج لمبدأ الفنّ للفنّ.

في لوحة محاولة المستحيل Attempting the Impossible يصوّر ماغريت نفسه وهو يرسم موديلا عارية يفترض أنها زوجته. وقد رسمها بملامح تمثالية وبذراع واحدة، الأمر الذي يذكّرنا بتمثال افرودايت أو فينوس الشهير. والمعنى هنا واضح، وهو أن الجمال في النهاية قيمة نسبية، وأن محاولة تصوّر نموذج أو مثل أعلى للجمال هي محاولة عبثية لأننا لن نحصل في النهاية سوى على ملامح ساكنة، جامدة وبلا مضمون؟

وفي العالم الخفي يرسم غرفة ذات ديكور خشبي يتوسّطها حجر ضخم. والغرفة تطلّ على بحر تعلوه غيوم كثيفة داكنة.
إنها صورة أخرى للعالم غير المنظور الذي يتحدّث عنه ماغريت دائما والذي يتوارى خلف العالم المادّي الذي يحيط بنا. هنا أيضا يلجأ الفنان إلى استخدام العلاقات والرموز لإثارة اهتمام الناظر ودفعه لاكتشاف المعاني الباطنية والصور الاستعارية التي يضمّنها لوحاته.
المشهد ساكن إجمالا ويتعذّر رؤية شيء آخر باستثناء الحجر والغرفة والبحر. لكن الصورة توحي بأن هناك أشياءَ قد لا نراها بالعين. الصوت مثلا يمكن أن يسافر عبر الصمت. صوت الرعد، صوت سيارة أو قطار مارّ من بعيد. هنالك عوالم أخرى خفية حولنا، كائنات دقيقة، أصوات، إشارات، همهمات قد لا نراها رأي العين لكنها مع ذلك جزء لا ينفصل عن وجودنا وعن عالمنا الأكبر.


لقد عُرف عن ماغريت اهتمامه الكبير بالفيزياء والعلوم عامةً وقد قرأ كثيرا لاينشتاين ونيوتن وغيرهما. وهناك عدد غير قليل من لوحاته يمكن اعتبارها ترجمة لبعض الأفكار والنظريات العلمية.

في لوحة معركة ارغون ، مثلا، نطالع صورة لصخرة وغيمة معلقتين في الهواء جنبا إلى جنب وتحتهما منظر طبيعي. المشهد غامض ويصعب تصوّر حدوثه، إذ السؤال ما الذي يجمع حجرا قاسيا داكن اللون بغيمة رقيقة بيضاء على هذا الارتفاع؟ وهل ما نراه هو حقا صخرة وغيمة؟

لكن قد يكون في قانون الجاذبية ما يفسّر اللوحة، إذ من المعروف أن الأجسام تفقد وزنها كلما سافرت في الفضاء بفعل انعدام الجاذبية مع احتفاظها بنفس كتلتها. هذا هو على الأقل ما يقوله علماء الفيزياء. أما العنوان "ارغون" فيشير إلى إحدى المعارك المشهورة التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى بين الألمان والفرنسيين.


وهناك لوحة أخرى لـ ماغريت اسمها بيت الزجاج The House of Glass يعتقد أنها هي الأخرى ليست سوى ترجمة لنظرية اينشتاين التي يقول فيها انه لو قدّر لإنسان أن يسافر إلى الفضاء بسرعة الصوت فإن جسمه يغدو مسطّحا إلى الدرجة التي يمكن معها رؤية وجهه في مؤخّرة رأسه. وهو أمر قد يستعصي على الإنسان العادي إدراكه أو تصوّره.

وفي إحدى لوحات غرفة الاستماع نرى تفاحة تملأ حيّز غرفة كاملة، في إشارة على ما يبدو إلى نظرية اينشتاين عن العلاقة ما بين الكتلة وسرعة الصوت.

وللتفاحة أهمّية خاصّة عند ماغريت إذ تظهر كعلامة فارقة في الكثير من لوحاته، ويمكن فهمها وطبيعة وظيفتها ضمن سياقات مختلفة ومتعدّدة. فالتفاحة فاكهة لكنها بنفس الوقت صورة مجازية لأشياء أخرى كالجاذبية والإغراء والخطيئة أو الطرد من الجنّة. كما يمكن أن تكون رمزا لاختراع أو ابتكار ما أو نظرية أو فكرة علمية.. إلى آخره.


كان ماغريت يرى أن الحرّية هي نقطة الارتكاز في الوجود الإنساني كله. وأن عقل الإنسان عبارة عن كون يتشكّل ويتجلى للعالم من خلال مجموعة من المصادفات الغير متوقعّة. ولأن الإنسان غير قادر على كشف الحقيقة، فإن مهمّته هي أن يكشف على الأقل عن حقيقته الخاصّة".
في لوحة المحرّر The Liberator يظهر رجل بلا ملامح وهو جالس أمام مبنى غارق في الغيم ويحمل بإحدى يديه عصا وبالأخرى كأسا مرصّعا بالجواهر على هيئة وجه امرأة.

لكنْ لا العنوان يساعد على فهم المعنى المقصود ولا تفاصيل اللوحة نفسها تكشف عن مضمونها أو عن الفكرة التي يريد الفنان إيصالها.
لقد سبق للكثير من النقاد أن تكهّنوا بأن لا تعمّر لوحات ماغريت طويلا لأنها برأيهم ساكنة أكثر مما ينبغي ومغرقة في الذاتية والاغتراب والتجريد وتفتقر للحيوية التي تضمن لها البقاء والديمومة. وقد قصر آخرون اهتمامهم على قراءة أعماله من منظور سيكولوجي بحت وأغفلوا مضامينها الفلسفية واللغوية والفكرية.

ويبدو أن ماغريت لم يكن مهتمّا كثيرا بهذه المسألة بدليل قوله: لا يهمّني قيمة لوحاتي بعد مائة عام. ربّما تكون قد فقدت صلتها بالواقع وأصبحت شيئا من الماضي. المهم هو أن يكتشف الناس في ذلك الوقت ما اكتشفته أنا، وإن بطريقة مختلفة".

غير أن من الواضح أن رسالة ماغريت أصبحت اليوم أعلى صوتا وأقوى تأثيرا من أي وقت مضى، خاصّة إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة التطوّرات السريعة والمهمّة التي شهدتها مجالات الاتصال والإعلان والتكنولوجيا في العقود الأخيرة. فالعوالم الافتراضية أصبحت حقيقة واقعة هذه الأيام، وهناك الآن كلام كثير عن الواقع الافتراضي وعن المجتمعات الافتراضية التي ولدت مع الانترنت وباتت إحدى سمات هذا العصر. ومن الصعب التمييز في هذه المجتمعات بين ما هو واقع أو خيال. وهي الفكرة التي طالما تطرّق إليها ماغريت في العديد من أعماله.


لقد تحدّث ماغريت كثيرا في لوحاته عن محدودية اللغة وقصورها في وصف وترجمة التجارب والخبرات التي افرزها واقع العالم الجديد. وجاء بعده العديد من الكتاب ومنظري اللغة والاتصال الذين أخذوا بعض أفكاره إلى آفاق ومستويات أعلى من التحليل والنقاش والجدل.

وممّا لا شكّ فيه أن تأثير ماغريت في الإعلان كان وما يزال هو التأثير الأقوى. فهما يستخدمان نفس اللغة، وعالم ماغريت الغنيّ بصور الخيال والفانتازيا ما يزال هو الأكثر قبولا وتفضيلا لدى المتخصّصين في مجال الدعاية والإعلان الذين يجدون في رسوماته مادّة يسهل تشكيلها وتطويعها بما يخدم أغراضهم ومتطلباتهم.

ومن الأمور التي لا تنكر أن ماغريت ابتكر صورا ومشاهد لا تنسى أسهمت بفاعلية في تشكيل المخيّلة البصرية للناس طيلة عقود. وهناك العديد من لوحاته التي يمكن اعتبارها من بين أكثر صور الفنّ الحديث شهرةً واستنساخا في القرن العشرين. كما لا يمكن إنكار دوره في بلورة ما عرف في ما بعد بفنّ المفاهيم Conceptual Art والفنّ الشعبي Pop Art.

وما تزال لوحاته، أو نسخ معدّلة منها، تظهر على أغلفة المصنّفات الفنية وفي الأفلام والمسرحيات، بالإضافة إلى عشرات الروايات وقصائد الشعر والأغاني والقطع الموسيقية التي تتضمّن إشارات إلى اسم ماغريت وعناوين لوحاته.



لقد قيل في إحدى المرّات أن شخصا مثل ماغريت لا يمكن أن يظهر إلا في مدينة مثل بروكسيل. فقد اتصفت هذه المدينة دائما بهدوئها وتنوّعها واعتيادية الحياة فيها. لكنه ذلك النوع من الهدوء الذي يدفع الإنسان إلى التمرّد والثورة ومن ثم تشويه ما هو هادئ واعتيادي بطريقة ساخرة وأحيانا متسامية.

وفي بلجيكا يُنظر الآن إلى ماغريت باعتباره قيمة وطنية وثقافية كبرى لا تقلّ شأنا عمّا لـ بريغل وروبنز من أهمّية. كما انه يتمتع اليوم بمكانة لا ينافسه فيها سوى عدد قليل من مواطنيه المعاصرين كالممثلة اودري هيبورن والممثل جان كلود فان دام.
ومؤخّرا تم الانتهاء في بروكسيل من بناء متحف يحمل اسم ماغريت أسهمت في إنشائه مجموعة شركات فرنسية وبلجيكية. وقد أقيم المتحف في نفس مكان المنزل الذي عاش فيه الفنان وزوجته لأكثر من عشرين عاما.

ومن المقرّر افتتاح المتحف رسميا في منتصف العام القادم 1909م لكي يضمّ أكثر من 160 لوحة من لوحات الفنان.
وقد روعي في تصميم واجهة المتحف وديكوراته وغرفه وسلالمه أن تعكس روح عالم ماغريت بشكل يتيح لزوّاره رؤية مناظره الحالمة وقد بعثت فيها الحياة من جديد.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق